فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة سبع وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها غزو القاسم بن سيما الصائفة وتم الفداء في بلد الروم على يدي مؤنس الخادم وتأخرت الأمطار في هذه السنة وزاد السعر ‏.‏

قال ثابت بن سنان المؤرخ‏:‏ ورأيت في صدر أيام المقتدر ببغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين وكان لها كفان بأصابع تامة متعلقان في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئًا وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأسها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها وتسرح امرأة وتغلفها برجليها ورأيت امرأة أخرى بعضدين وذراعين وكفين إلا أن كل واحد من الكفين ينخرط ويدق إذا فارق الزندين حتى ينتهي إلى رأس دقيق يمتد فيصير إصبعًا واحدة وكذلك رجليها على هذه الصورة ومعها ابنة لها على مثل صورتها ‏.‏

وفي هذه السنة تولى القاسم بن سيما غزاة الصائفة وورد الخبر أن أركان البيت غرقت من السيول وأن زمزم فاضت ولم ير ذلك قبلها ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ‏.‏

أحمد بن عبد الرحمن بن مرزوق بن عطية أبو عبد الله بن أبي عوف البزوري سمع سويد بن سعيد وعثمان بن أبي شيبة وعمرو بن محمد الناقد وخلقًا كثيراُ ‏.‏

روى عنه أبو بكر الشافعي وابن الصواف وغيرهما ‏.‏

وكان ثقة عفيفًا نبيلًا ثبتًا له حال من الدنيا واسعة وطريقة في الخير محمودة وإليه ينسب شارع ابن أبي عوف المسلوك فيه إلى نهر القلائين وكانت له منزلة من السلطان واختصاص بعبيد الله بن سليمان الوزير ومودة في أنفس العوام ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا علي بن الحسن قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثني القاضي أب عمر عبيد الله بن الحسين السمسار قال‏:‏ حدثني أبو علي بن إدريس الشاهد قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله بن أبي عوف قال‏:‏ كان سبب اختصاصي بعبيد الله بن سليمان أني اجتزت يومًا في جامع المنصور بالمدينة فوجدته وهو ملازم بثلثمائة دينار في يد غريم له وهو في عقب النكبة وكنت أعرف محله عن مودة بيننا فقلت له‏:‏ لأي شيء أعزك الله أنت ها هنا جالس فقال‏:‏ ملازم في يد هذا الرجل بثلثمائة دينار له علي ‏.‏

قال‏:‏ فسألت الغريم إنظاره فقال‏:‏ لا أفعل فقلت له‏:‏ فالمال لك على أن تصبر علي إلى بعد أسبوع حتى أعطيك إياه فقال‏:‏ تعطيني خطك بذلك فاستدعيت دواة ورقعة وكتبت له ضمانًا بذلك إلى شهر فرضي وانصرف وقام عبيد الله فأخذ يشكرني فقلت تمم أيدك الله سروري بأن تصير معي إلى منزلي فأركبته حماري ومشيت خلفه إلى أن دخلنا داري فأكلنا فنام فلما انتبه أحضرته كيسًا وقلت‏:‏ لعلك على إضافة فأسألك بالله إلا أخذت منه ما شئت قال‏:‏ فأخذ منه دنانير وقام فخرج فأقبلت امرأتي تلومني وتوبخني وتقول‏:‏ ضمنت عنه ما لا يفي به ولم تقنع إلا بأن أعطيته شيئًا آخر‏!‏ فقلت‏:‏ يا هذه فعلت جميلًا وأسديت يدًا جليلة إلى رجل حر كريم جليل من بيت فإن نفعني الله بذلك فله قصدت وإن تكن الأخرى لم يضع عند الله‏!‏ ومضى على هذا الحديث مدة وحل الدين وجاء الغريم يطالبني فاشرفت على بيع عقار لي ودفع ثمنه إليه ولم استحسن على مطالبة عبيد الله ودفعت الرجل بوعد وعدته إياه إلى أيام فلما كان بعد يومين جاءتني رقعة عبيد الله يستدعيني فجئته فقال‏:‏ وردت علي غليلة من ضيعة لي افلتت من البيع في النكبة ومقدار ثمنها مقدار ما ضمنته عني فتأخذها فتبيعها وتصحح ذلك للغريم فقلت‏:‏ أفعل فحمل الغلة إلي فبعتها وحملت الثمن بأسره إليه وقلت‏:‏ أنت مضيق وأنا أدفع الغريم وأعطيه البعض من عندي فاتسع أنت بهذا فجهد أن آخذ منه شيئًا فحلفت أن لا أفعل ووفرت الثمن عليه وجاء الغريم فأعطيته البعض من عندي ودفعت به مديدة ولم يمض على ذلك إلا يسير حتى ولي عبيد الله الوزارة فأحضرني من يومه قال علي بن المحسن‏:‏ وذكر أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن بهلول أن أباه حدثه قال‏:‏ خرجت من حضرة عبيد الله بن سليمان في وزارته أريد الدهليز فخرج ابن أبي عوف فصاح البوابون والحجاب والخلق‏:‏ هاتوا دابة لأبي عبد الله هاتوا دابة لأبي عبدا لله‏!‏‏!‏ فحين قدمت دابته ليركب خرج الوزير ليركب فرآه فتنحى أبو عبد الله بن أبي عوف وأمر بابعاد دابته لتقدم دابة الوزير فحلف الوزير أنه لا يركب ولا تقدم دابته حتى يركب ابن أبي عوف قال‏:‏ فرأيته قائمًا والناس قيام بقيامه حتى قدمت دابة ابن أبي عوف فركبها ثم قدمت دابة الوزير فركب وسارا جميعًا ‏.‏

توفي ابن أبي عوف في شوال هذه السنة ‏.‏

إبراهيم بن هاشم بن الحسين بن هاشم أبو إسحاق البيع المعروف بالبغوي ولد سنة سبع ومائتين

سمع علي بن الجعد وأحمد بن حنبل وغيرهما وكان ثقة ‏.‏

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

جعفر بن محمد بن ماجد أبو الفضل مولى المهدي ويعرف بابن أبي الفضل ‏.‏

وحدث عن جماعة وروى عنه ابن مخلد والنجاد والطبراني وكان ثقة توفي في هذه السنة ‏.‏

الحسن بن محمد بن سليمان بن هشام أبو علي الخزاز المعروف بابن بنت مطر حدث عن علي بن المديني روى عنه ابن الصواف والطبراني وقال الدارقطني‏:‏ ثقة ليس به بأس ‏.‏

توفى في هذه السنة ‏.‏

حامد بن سعدان بن يزيد أبو عامر‏:‏ أصله فارسي ‏.‏

روى عنه ابن مخلد وكان مستورًا صالحًا ثقة ‏.‏

وتوفي في شوال هذه السنة ‏.‏

عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي سمع يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان وغيرهما

روى عنه جعفر الخلدي وكان عمرو بن عثمان قد ولي قضاء جدة فهجره الجنيد وقال‏:‏ لا أكلم من كان يظهر الزهد ثم يبدو منه الاتساع في طلب الدنيا توفي ببغداد في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة إحدى وتسعين والأول أصح ‏.‏

أبو الحارث الأولاسي كان يغني في صباه فمر بمريض على قارعة الطريق فقال له‏:‏ ما تشتهي قال‏:‏ الرمان‏!‏ فجاء به فقال له‏:‏ تاب الله عليك‏!‏ فما أمسى حتى تغير عما كان عليه وصحب إبراهيم بن سعد العلوي وتوفي بطرسوس في هذه السنة ‏.‏

محمد بن داود بن علي بن خلف أبو بكر الأصبهاني صاحب كتاب الزهرة روى عن أبيه وكان عالمًا أديبًا وفقيهًا مناظرًا وشاعرًا فصيحًا ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي الخطيب أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني قال‏:‏ أخبرني جعفر الخلدي في كتابه إلي قال‏:‏ سمعت رويم بن محمد يقول‏:‏ كنا عند داود بن علي الأصبهاني إذ دخل عليه ابنه محمد وهو يبكي فضمه إليه وقال‏:‏ ما يبكيك قال‏:‏ الصبيان يلقبوني يقولون لي يا عصفور الشوك فضحك داود فقال له ابنه‏:‏ أنت أشد علي من الصبيان‏!‏ مم تضحك فقال داود‏:‏ لا إله إلا الله‏!‏ ما الالقاب إلا من السماء‏!‏ ما أنت يا بني إلا عصفور الشوك ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي علي القاضي حدثنا أبو الحسن الداودي قال‏:‏ لما جلس محمد بن داود بن علي الأصبهاني في حلقة أبيه بعد وفاته يفتي استصغروه عن ذلك ‏.‏

فدسوا إليه رجلًا وقالوا له‏:‏ سله عن حد السكر ما هو فأتاه الرجل فسأله عن حد السكر ما هو ومتى يكون الإنسان سكران فقال محمد‏:‏ إذا عزبت عنه الهموم وباح بسره المكتوم فاستحسن ذلك منه وعلم موضعه من العلم ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ابتلي أبو بكر بن داود بحب صبي يقال له محمد بن جامع ويقال محمد بن زخرف فاستعمل العفاف والتدين وكان ما لقي سبب موته ودخل يومًا على ثعلب فقال له ثعلب‏:‏ أها هنا من صبواتك شيء فأنشده‏:‏ سقى الله أيامًا لنا ولياليا لهن بأكناف الشباب ملاعب إذ العيش غض والزمان بغرة وشاهد آفات المحبين غائب أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور بن جعفر الجيلي أخبرنا أحمد بن محمد - بن عمران أخبرنا عبيد الله بن أبي يزيد الأنباري قال‏:‏ قال لي القحطبي قال‏:‏ قال لي محمد ابن داود الأصبهاني‏:‏ ما انفككت من هوى منذ دخلت الكتاب وبدأت بعمل كتاب الزهرة وأنا في الكتاب ونظر أبي في أكثره ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا إسماعيل بن أحمد الحيري حدثنا أبو نصر بن أبي عبد الله الشيرازي قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين محمد بن الحسين الظاهري قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن محمد بن الحسن بن الصباح الداودي قال‏:‏ حدثنا القاضي أبو عمر محمد بين يوسف بن يعقوب قال‏:‏ كنت أساير أبا بكر محمد بن داود ببغداد فإذا جارية تغني بشيء من شعره وهو قوله‏:‏ اشكو عليل فؤاد أنت متلفه شكوى عليل إلى الف يعلله سقمي تزيد على الأيام كثرته وأنت في عظم ما ألقى تقلله الله حرم قتلي في الهوى سفهًا وأنت يا قاتلي ظلمًا تحلله فقال محمد بن داود‏:‏ كيف السبيل إلى استرجاع هذا فقال القاضي أبو عمر‏:‏ هيهات سارت به الركبان ‏.‏

قال المصنف رحمه الله‏:‏ كان محمد بن داود كثير المناظرة مع أبي العباس بسريج وكانا يحضران مجلس أبي عمر القاضي فتجري بينهما المفاوضة والمناظرة حتى يعجب الناس فتكلما يومًا في مسألة فقال له ابن سريج‏:‏ أنت بكتاب الزهرة أشهر منك بهذا‏!‏ فقال له‏:‏ وبكتاب الزهرة تعيرني والله ما تحسن تستتم قراءته وذلك كتاب عملناه هزلًا فاعمل أنت مثله جدًا‏!‏ فلما توفي محمد بن داود في رمضان هذه السنة جلس ابن سريج للعزاء ونحى مخاده وقال‏:‏ ما آسى محمد بن أحمد بن عبدويه أبو الفضل الإفريقي روى عنه محمد بن مخلد وذكر أنه مات ليومين مضيا من محرم هذه السنة ‏.‏

محمد بن أحمد بن عبد الكريم أبو العباس البزاز المخزومي سمع أبا علقمة الفروي وعبد الله بن حبيق في آخرين وكان أبو بكر الإسماعيلي يصفه بالحفظ ‏.‏

محمد بن إبراهيم بن حمدون أبو الحسن الخزاز الكوفي قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن أبي زياد القطواني وأبي كريب وغيرهما روى عنه عبد الرحمن والد أبي طاهر المخلص وغيره وتوفي ليلة الأربعاء غرة جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

محمد بن عثمان بن محمد بن أبي شيبة أبو جعفر حدث عن يحيى بن معين وعلي بن المديني وخلق كثير ‏.‏

وكانت له معرفة وفهم وصنف تاريخًا وروى عنه الباغندي وابن صاعد وجعفر الخلدي وغيرهم وقد سئل عنه أبو علي صالح بن محمد فقال‏:‏ ثقة‏!‏ وقال عبدان‏:‏ ما علمنا إلا خيرًا‏!‏ وروى ابن عقدة عن جماعة من العلماء تكذيبه والقدح فيه منهم‏:‏ عبد الله بن أحمد فإنه روى عنه أنه قال‏:‏ محمد بن عثمان كذاب بين الأمر وتعجب ممن يكتب عنه وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين كان طاهر بن الحسين يتولى الجزيرة فولاه المأمون خراسان فمات سنة سبع ومائتين ثم وليها بعده عبد الله إلى سنة ثلاثين ومائتين ثم توفي فولى الواثق بالله ابنه طاهرًا فأقام إلى سنة ثمان وأربعين ثم وليها ابنه محمد بن طاهر فأقام إلى سنة ثمان وخمسين فظفر به يعقوب بن الليث فكان معه أسيرًا يطوف به البلاد إلى سنة اثنتين وستين فلما كانت الوقعة بالنهروانات نجا محمد بن طاهر فلم يزل مقيمًا بمدينة السلام إلى أن توفي بها في هذه السنة ‏.‏

ولد سنة عشر ومائتين وسمع أباه وعلي بن الجعد وأبا نصر التمار وأحمد بن حنبل أقرأ الناس القرآن وهو ابن ثماني عشرة سنة في الجانب الشرقي واستقضي وله ثمان وعشرون سنة ‏.‏

وكتب الناس عنه فأكثروا وروى عنه ابن صاعد وابن الأنباري وولي قضاء الري والأهواز ‏.‏

وكان ثقة ثبتًا صدوقًا دينًا عفيفًا فصيحًا كثير الحديث وكان ينتحل مذهب الشافعي رضي الله عنه توفي بالأهواز قاضيًا في محرم هذه السنة ‏.‏

يوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد أبو محمد البصري ولد سنة ثمان ومائتين وسمع سليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق ومسددًا وهدبة وغيرهم ‏.‏

روى عنه أبو عمرو بن السماك وأبو سهل بن زياد وأبو بكر الشافعي وغيرهم ‏.‏

وكان ثقة وكان قد ولي القضاء بالبصرة في سنة ست وسبعين ومائتين وضم إليه قضاء واسط ثم أضيف إلى ذلك قضاء الجانب الشرقي من بغداد ‏.‏

وكان جميل الأمر حسن الطريقة ثقة عفيفًا مهيبًا عالمًا بصناعة القضاء لا يراقب فيه أحدًا ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا التنوخي قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ سمعت القاضي أبا عمر محمد بن يوسف يقول‏:‏ قدم خادم من وجوه خدم المعتضد بالله إلى أبي في حكم فجاء فارتفع في المجلس فأمره الحاجب بموازاة خصمه فلم يفعل إدلالًا بعظم محله من الدولة فصاح أبي عليه وقال‏:‏ قفاه‏!‏ أيؤمر بموازاة خصمه فيمتنع يا غلام‏!‏ عمرو بن أبي عمرو النخاس الساعة لأتقدم إليه ببيع هذا العبد وحمل ثمنه إلى أمير المؤمنين ثم قال لحاجبه‏:‏ خذ بيده وسو بينه وبين خصمه فأخذ كرهًا وأجلس مع خصمه فلما انقضى الحكم انصرف الخادم فحدث المعتضد بالحديث وبكى بين يديه فصاح عليه المعتضد وقال‏:‏ لو باعك لأجزت بيعه وما رددتك إلى ملكي أبدًا وليس خصوصك بي يزيل مرتبة الحكم فإنه عمود السلطان وقوام الأديان توفي يوسف في رمضان هذه السنة وقد صرف عن القضاء ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه قدم القاسم بن سيما من غزوة أرض الروم الصائفة ومعه خلق كثير من الأسارى وخمسون علجًا قد شهروا على الجمال بأيدي بعضهم أعلام الروم عليها صلبان من ذهب وفضة ‏.‏

وفيها‏:‏ فلج القاضي عبد الله بن علي بن أبي الشوارب فقلد مكانه ابنه محمد ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا علي بن المحسن أخبرنا طلحة بن محمد بن جعفر قال‏:‏ لم يزل عبد الله بن علي بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب واليًا - يعني على القضاء - بالجانب الشرقي من بغداد وعلى الكرخ أيضًا من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين إلى ليلة السبت لثلاث عشرة خلت من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين فإن الفالج ضربه فيها فأسكت فاستخلف له ابنه محمد على عمله كله في يم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين وكان سريًا جميلًا واسع الأخلاق ولم يكن له خشونة فاضطربت الأمور بنظره ولبست عليه في أكثر أحواله وكانت أمور السلطان كلها قد اضطربت ولم يزل على خلافة أبيه إلى سنة إحدى وثلاثمائة وتوفي ‏.‏

ووردت في شهر ربيع الأول هدايا أنفذها أحمد بن إسماعيل بن أحمد من خراسان منها مائة وعشرون غلامًا على دوابهم ومعهم أسلحتهم وخمسون بازيًا وخمسون جملًا عليها فاخر الثياب ومن الشهاوي خمسون وخمسون رطلًا من المسك ‏.‏

وفي شعبان أخذ رجلان من باب محول يقال أحدهما أبو كثيرة والآخر يعرف بالشمري فذكرا أنهما أصحاب رجل يعرف بمحمد بن بشر يدعي الربوبية ‏.‏

وورد الخبر في ذي القعدة بمسير الروم إلى اللاذقية وأن ريحًا صفراء حارة هبت بحديثة الموصل في أول ذي الحجة فمات لشدة حرها جماعة ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن داود بن يعقوب أبو إسحاق الصيرفي حدث عن عيسى بن حماد وعبد الملك بن شعيب بن الليث وغيرهما ولم يحدث إلا مجلسًا أو مجلسين وكان ثقة وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن مسروق أبو العباس الطوسي حدث عن خلف بن هشام البزار وعلي بن المديني وعلي بن الجعد وأحمد بن إبراهيم الدورقي والبرجلاني والزبير بن بكار روى عنه أبو عمرو بن السماك والخلدي وأبو شكر الشافعي وغيرهم ‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ ليس بالقوي يأتي بالمعضلات ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق حدثنا علي بن عبد الله الهمذاني حدثنا الخلدي قال‏:‏ حدثني أحمد بن محمد بن مسروق قال‏:‏ دخلت إلى الري فقصدت أبا موسى الدولابي وكان في ذلك الوقت أشرف من يذكر فلقيته وسلمت عليه وأقمت عنده في منزله ثلاثة أيام فلما أردت الخروج وقفت عليه لأودعه فابتدأني وقال‏:‏ يا غلام‏!‏ الضيافة ثلاثة أيام وما كان فوق ذلك فهو صدقة منك علي وتوفي ابن مسروق في صفر هذه السنة وقد قيل سنة تسع وتسعين ‏.‏

أحمد بن يحيى بن إسحاق أبو الحسين الريوندي الملحد الزنديق‏:‏ قال المؤلف‏:‏ وإنما ذكرته ليعرف قدر كفره فإنه معتمد الملاحدة والزنادقة ويذكر أن أباه كان يهوديًا وأسلم هو فكان بعض اليهود يقول للمسلمين‏:‏ لا يفسدن عليكم هذا كتابكم كما أفسد أبوه علينا التوراة فعلم أبو الحسين اليهود وقال‏:‏ قولوا عن موسى أنه قال لا نبي بعدي ‏.‏

وأنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال‏:‏ أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ كان الريوندي يلازم الرافضة وأهل الإلحاد فإذا عوتب قال‏:‏ إنما أريد أن أعرف مذاهبهم ثم كاشف وناظر ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد كنت أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت ما لم يخطر مثله على قلب أن يقوله عاقل ووقعت على كتبه فمنها‏:‏ كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمرد وكتاب التاج وكتاب الدامغ وكتاب الفريد وكتاب إمامة المفضول ‏.‏

وقد نقض عليه هذه الكتب جماعة فأما كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب التاج وكتاب الزمرد والدامغ فنقضها عليه أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي وقد نقض عليه أيضًا كتاب الزمرد أبو الحسين عبد الرحيم بن محمد الخياط ونقض عليه أيضًا كتاب إمامة المفضول ‏.‏

وقد كان ابن الريوندي وأبو عيسى محمد بن هارون الوراق الملحد أيضًا يتراميان بكتاب الزمرد ويدعي كل واحد منهما على الآخر أنه تصنيفه وكانا يتوافقان على الطعن في القرآن وأما كتاب الفريد فنقضه عليه أبو هاشم عبد السلام بن علي الجبائي ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ ورأيت بخط أبي الوفاء ابن عقيل قال‏:‏ كان الخبيث ابن الريوندي قد سمى كتابه الذي اعترض به على الشريعة الإسلامية المعصومة على اعتراض مثله من الملحدين كتاب الزمرد فأخذ أبو علي الجبائي يعيبه في تسميته بالزمرد ويذهب إلى أنه أخطأ وجهل في تلقيب العلم بالجواهر وأن أهل العلم لا يعيرون العلوم أسماء ما دونها والجواهر ناقصة بالإضافة إلى العلوم فأزرى عليه بذلك ظنًا منه أنه قصد تلقيبه بالزمرد إعارة له اسم النفيس من الجواهر ‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ فوجدنا في بعض كلامه من كتاب أخر ما أبان به عن غير ذلك مما هو أخبث مما ظنه أبو علي فقال‏:‏ إن للزمرد خاصة هي أنه إذا رآه الأفعى وسائر الحيات عميت قال‏:‏ فكان قصدي أن الشبهة التي أودعتها الكتاب تعمي حجج المحتجين‏!‏ فاعتقد ما أورده عاملًا في حجج الشرع حسب ما أثر الزمرد في حدق الحيات فانظروا إلى استقصائه في الازدراء بالشرائع ‏.‏

قال ابن عقيل‏:‏ وعجبي كيف عاش وقد صنف الدامغ يزعم أنه قد دمغ به القرآن والزمرد يزري به على النبوات ثم لا يقتل‏!‏ وكم قد قتل لص في غير نصاب ولا هتك حرز وإنما سلم مدة وعاش لأن الإيمان ما صفا في قلوب أكثر الخلق بل في القلوب شكوك وشبهات وإلا فلما صدق إيمان بعض الصحابة قتل أباه ‏.‏

ومن بلهه تتبعه للقرآن وقد مر على مسامع سادات العرب فدهش الكل منه وعجز الفصحاء عنه فطمع هو من جهله باللغة أن يستدرك عليهم فأبان عن فضيحته ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد نظرت في كتاب الزمرد فرأيت فيه من الهذيان البارد الذي لا يتعلق بشبهه حتى أنه لعنه الله قال فيه‏:‏ نجد في كلام أكثم بن صيفي أحسن من ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ في نظائر لهذا ‏.‏

قال المصنف وفيه أن الأنبياء وقعوا بطلسمات كما أنه المغناطيس يجذب وهذا كلام ينبغي أن يستحيا من ذكره فإن العقاقير قد عرفت أمورها وجربت فكيف وقع هؤلاء الأنبياء بيما خفي عمن كان أنظر منهم ثم إن المغناطيس يجذب ولا يرد ونبينا صلى الله عليه وسلم دعا شجرة وردها ‏.‏

وقال‏:‏ قوله لعمار‏:‏ تقتلك الفئة الباغية فإن المنجم يقول مثل هذا فقيل له‏:‏ إنما يعرف مثل هذا المنجم إذا عرف المولد وأخذ الطالع ثم قد لا يصيب وقد أخبرنا نبينا عليه الصلاة والسلام بخبر غيب فكان كما قال‏:‏ ثم أخذ لعنه الله يعيب القرآن ويدعي أن فيه لحنًا واستدرك ذاك الخلف بزعمه على الأعادي الفصحاء الذين سلموا لفصاحته ‏.‏

قال أبو علي الجبائي‏:‏ قرأت كتاب الملحد الجاهل السفيه ابن الريوندي فلم أجد فيه إلا السفه والكذب والافتراء قال‏:‏ وقد وضع كتابًا في قدم العالم ونفي الصانع وتصحيح مذهب الدهرية وفي الرد على مذهب أهل التوحيد ووضع كتابًا في الطعن على محمد صلى الله عليه وسلم وسماه الزمرد وشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبعة عشر موضعًا في كتابه ونسبه إلى الكذب وطعن في القرآن ووضع كتابًا لليهود والنصارى على المسلمين يحتج لهم فيه في إبطال نبوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى غير ذلك من الكتب التي تبين خروجه عن الإسلام ‏.‏

وقال أبو هاشم بن أبي علي الجبائي‏:‏ ابتدأ ابن الريوندي لعنه الله كلامه في كتاب الفريد فقال‏:‏ إن المسلمين احتجوا لنبوة نبيهم بالكتاب الذي أتى به وتحدى به فلم يقدروا على معارضته قال‏:‏ فيقال لهم‏:‏ غلطتم وغلبت العصبية على قلوبكم أخبرونا لو ادعى مدع لمن تقدم من الفلاسفة مثل دعواكم في القرآن وقال‏:‏ الدليل على صدق بطليموس وأقليدس فيما ادعيا أن صاحب اقليدس جاء به فادعى أن الخلق يعجزون عنه لكان ثبتت نبوته ‏.‏

قلنا‏:‏ قد يكون في زمن أقليدس من هو أعرف منه وإنما شاع كتابه بعده ولو اجتمع أرباب علمه لجمعوا مثله ثم لو كان نبينا بكتابه لم يقدح ذلك في دلالة نبينا صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وذكر في كتاب نعت الحكمة تقبيح اعتقاد من يعتقد أن أهل النار يخلدون وقال‏:‏ لا نفع لهم في ذلك ولا للخالق والحكيم لا يفعل شيئًا لا نفع فيه وهذا جهل منه لأنه يريد بهذا تعليل أفعال الخالق سبحانه وأفعاله لا تعلل لأن حكمته فوق العقل المعلل ثم يلزمه هذا بتعذيبهم ساعة ‏.‏

قال أبو علي الجبائي‏:‏ كان السلطان قد طلب أبا عيسى الوراق وابن الريوندي فأما الوراق فأخذ وحبس ومات في السجن وأما ابن الريوندي فإنه هرب إلى ابن لاوي اليهودي ووضع له كتاب الدامغ في الطعن على محمد صلى الله عليه وسلم وعلى القرآن ثم لم يلبث إلا أيامًا يسيرة حتى مرض ومات ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وقد ذكر في كتاب الدامغ من الكفر أشياء تقشعر منها الجلود غير أني آثر أن أذكر منها طرفًا ليعرف مكان هذا الملحد من الكفر ويستعاذ بالله سبحانه من الخذلان‏!‏ فمن ذلك أنه قال عن الخاق تعالى عن ذلك‏:‏ من ليس عنده من الدواء إلا القتل فعل العدو الحنق الغضوب فما حاجته إلى كتاب ورسول وهذا قول جاهل بالله سبحانه لأنه لا يوصف بالحنق و بالحاجة وما عاقب حتى أنذر ‏.‏

وقال لعنه الله ووجدناه يزعم أنه يعلم الغيب فيقول‏:‏ ‏{‏وما تسقط من ورقة إلا يعلمها‏}‏ ثم يقول‏:‏ ‏{‏وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم‏}‏‏.‏

وهذا جهل منه بالتفسير ولغة العرب وإنما المعنى ليظهر ما علمناه ومثله‏:‏ ‏{‏ولنبلونّكم حتى نعلم‏}‏ أي نعلم ذلك واقعًا ‏.‏

وقال بعض العلماء‏:‏ حتى يعلم أنبياؤنا والمؤمنون به ‏.‏

وقال في قوله‏:‏ ‏{‏إن كيد الشيطان كان ضعيفًا‏}‏ أي أضعف له وقد أخرج آدم وأزل خلقًا‏!‏ وهذا تغفل منه لأن كيد إبليس تسويل بلا حجة والحجج ترده ولهذا كان ضعيفًا فلما مالت الطباع إليه آثر وفعل ‏.‏

وقال‏:‏ من لم يقم بحساب ستة تكلم بها في الجملة فلما صار إلى التفاريق وجدناه قد غلط فيها باثنين وهو قوله‏:‏ ‏{‏خلق الأرض في يومين‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏فقضاهن سبع سماوات في يومين‏}‏ فعدها هذا المغفل ثمانية ولو نظر في أقوال العلماء لعلم أن المعنى في تتمة أربعة أيام ‏.‏

وقال‏:‏ في قوله‏:‏ ‏{‏إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى‏}‏ وقد جاع وعري‏!‏ وهذا المغفل الملعون ما فهم أن الأمر مشروط بالوفاء بما عوهد عليه من قوله‏:‏ ‏{‏ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين‏}‏ ‏.‏

وقال في قوله‏:‏ ‏{‏وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏وربك الغفور ذو الرحمة‏}‏ فأعظم الخطوب ذكره الرحمة مضمومًا إلى أهلاكهم‏!‏ وهذا الأبله الملعون ما علم أنه لما وصف نفسه بالمعاقبة للمذنبين فانزعجت القلوب ضم إلى ذلك ذكر الرحمة بالحلم عن العصاة والإمهال والمسامحة في أكثر الكسب ‏.‏

قال‏:‏ ونراه يفتخر بالمكر والخداع‏!‏ وهذا المسكين الملعون قد نسب المعنى إلى الافتخار‏!‏ ولا يفهم أن معنى مكره جزاء الماكرين ‏.‏

قال الملعون‏:‏ ومن الكذب قوله‏:‏ ‏{‏ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم‏}‏ وهذا كان قبل تصوير آدم‏!‏ وهذا الأحمق الملعون لو طالع أقوال العلماء وفهم سعة اللغة علم أن المعنى خلقنا آدم وصورناه كقوله‏:‏ ‏{‏إنا لما طغى الماء حملناكم‏}‏ ‏.‏

وقال‏:‏ من فاحش ظلمه قوله‏:‏ ‏{‏كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودًا غيرها‏}‏ فعذب جلودًا لم تعصه‏!‏ وهذا الأحمق الملعون لا يفهم أن الجلد آلة للتعذيب فهو كالحطب يحرق لانضاج غيره ولا يقال أنه معذب وقد قال العلماء‏:‏ إن الجلود الثانية هي الأولى أعيدت كما يعاد الميت بعد قال‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم‏}‏ وإنما يكره السؤال وديء السلعة لئلا تقع عليه عين التاجر فيفتضح فانظروا إلى عامية هذا الأحمق الملعون وجهله أتراه قال‏:‏ لا تسألوا عن الدليل على صحة قولي إنما كانوا يسألون فيقول قائلهم‏:‏ من أبى فقال‏:‏ ‏{‏لا تسألوا عن أشياء‏}‏ يعني من هذا الجنس فربما قيل للرجل أبوك فلان وهو غير أبيه الذي يعرف فيفتضح ‏.‏

قال‏:‏ ولما وصف الجنة قال‏:‏ ‏{‏فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه‏}‏ وهو الحليب ولا يكاد يشتهيه إلا الجياع وذكر العسل ولا يطلب صرفًا والزنجبيل وليس من لذيذ الأشربة والسندس يفرش ولا يلبس وكذلك الاستبرق الغليظ قال‏:‏ ومن تخايل أنه في الجنة يلبس هذا الغليظ ويشرب الحليب والزنجبيل صار كعروس الأكراد والنبط فانظروا إلى لعب هذا الملعون المستهزئ وجهله‏!‏ ومعلوم أن الخطاب إنما هو للعرب وهم يؤثرون ما وصف كما قال‏:‏ ‏{‏في سدر مخضود وطلح منضود‏}‏ ثم إنما وصف أصول الأشياء المتلذذ بها فالقدرة قد تكون من اللبن أشياء كالمطبوخات وغيرها ومن العسل أشياء يتحلى بها ثم قال عز وجل‏:‏ ‏{‏وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين‏}‏ وقال‏:‏ ‏"‏اعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ‏"‏ فوصف ما يعرف ويشتهى وضمن ما لا يعرف وقال‏:‏ إنما أهلك ثمودًا لأجل ناقة وما قدر ناقة وهذا جهل منه الملعون فإنه إنما أهلكهم لعنادكم قال‏:‏ وقال‏:‏ ‏{‏يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله‏}‏ ثم قال‏:‏ ‏{‏لا يهدي من هو مسرف كذاب‏}‏‏.‏

ولو فهم أن الإسراف الأول في الخطايا دون الشرك والثاني في الشرك وما يتعلق بكل آية يكشف معناها ‏.‏

قال‏:‏ ووجدناه يفتخر بالفتنة التي ألقاها بينهم كقوله‏:‏ ‏{‏وكذلك فتنا بعضهم ببعض‏}‏{‏ولقد فتنا الذين من قبلهم‏}‏ ثم أوجب للذين فتنوا المؤمنين عذاب الأبد‏!‏ وهذا الجاهل الملعون لا يدري أن الفتنة كلمة يختلف معناها في القرآن فالفتنة معناها‏:‏ الابتلاء ‏.‏

كالآية الأولى والفتنة الإحراق كقوله‏:‏ ‏{‏فتنوا المؤمنين‏}‏‏.‏

وقال‏:‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وله اسلم من في السموات والأرض‏}‏ خبر محال لأنه ليس كل الناس مسلمين وكذلك قوله‏:‏ ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏}‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وللّه يسجد ما في السموات وما في الأرض‏}‏ ولو أن هذا الزنديق الملعون طالع التفسير وكلام العرب لما قال هذا إنما يتكلم بعاميته وحمقه وإنما المعنى وله أسلم استسلم والكل منقاد لما قضى به وكل ذليل لأمره وهو معنى السجود ثم قد تطلق العرق لفظ الكل وتريد البعض كقوله‏:‏ ‏{‏تدمر كل شيء‏}‏‏.‏

وقد ذكر الملعون أشياء من هذا الجنس مزجها بسوء الأدب والانبساط القبيح والذكر للخالق سبحانه وتعالى بما لا يصلح أن يذكر به أحد العوام وما سمعنا أن أحدًا عاب الخالق وانبسط كانبساط هذا اللعين قبله ويلومه لو جحد الخالق كان أصلح له من أن يثبت وجوده ثم يخاصمه ويعيبه وليس له في شيء مما قاله شبهة فضلًا عن حجة فتذكر ويجاب عنها وإنما هو خذلان فضحة الله تعالى به في الدنيا والله تعالى يقابله يوم القيامة مقابلة تزيد على مقابلة إبليس وإن خالف لكنه احترم في الخطاب كقوله‏:‏ ‏"‏ بعزتك ‏"‏ ولم يواجه بسوء أدب كما واجه هذا اللعين جمع الله بينهما وزاد هذا من العذاب ‏.‏

وقد حكينا عن الجبائي أن ابن الريوندي مرض ومات ورأيت بخط ابن عقيل أنه صلبه بعض السلاطين والله أعلم ‏.‏

وقال ابن عقيل‏:‏ ووجدت في تعليق محقق من أهل العلم‏:‏ أن ابن الريوندي مات وهو ابن ست وثلاثين سنة مع ما انتهى إليه من التوغل في المخازي لعنه الله وشدد عذابه ‏.‏

الجنيد بن محمد بن الجنيد

أبو القاسم الخزاز ويقال القواريري قيل كان أبوه قواريريًا وكانهو خزازًا وأصله من نهاوند إلا أن مولده ومنشأه ببغداد سمع الحسن بن عرفة وتفه على أبي ثور وكان يفتي بحضرته وهو ابن عشرين سنة وصحب جماعة من أهل الخير واشتهر بصحبة الحارث المحاسبي وسري السقطي ولازم التعبد وتكلم على طريقة التصوف ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي المحتسب قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن الحسين الفقيه قال‏:‏ سمعت جعفر الخلدي يقول‏:‏ قال الدنيد‏:‏ ما أخرج الله إلى الأرض علمًا وجعل للخلق إليه سبيلًا إلا وقد جعل الله لي فيه حظًا ونصيبًا قال الخلدي‏:‏ وبلغني عن الجنيد أنه كان في سوقه وكان ورده في كل يوم ثلثمائة ركعة وثلاثين ألف تسبيحة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرني محمد بن الحسين السلمي قال‏:‏ سمعت أبا بكر البجلي يقول‏:‏ سمعت أبا محمد الحريري يقول‏:‏ كنت واقفًا على رأس الجنيد وقت وفاته وهو يقرأ القرآن فقلت‏:‏ يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال‏:‏ يا أبا محمد ما رأيت أحدًا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو يطوي صحيفتي ‏.‏

قال الخطيب وأخبرني عبد العزيز بن علي الوراق قال‏:‏ سمعت علي بن عبد الله الهمذاني يقول‏:‏ سمعت جعفر الخلدي يقول‏:‏ سمعت الجنيد يقول‏:‏ ما نزعت ثوبي للفراش منذ أربعين سنة

أنبأنا القزاز قال‏:‏ أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال وأخبرني الجوهري أخبرنا محمد بن العباس أخبرنا ابن المنادي قال‏:‏ مات الجنيد سنة ثمان وتسعين فذكر لي أنه حزر الجمع الحسن بن علي بن محمد بن سليمان أبو محمد القطان ويعرف بابن علويه ولد في شوال سنة خمس ومائتين سمع عاصم بن علي وغيره روى عنه النجاد والخطبي وكان ثقة وتوفي في شهر ربيع الآخر من هذه السنة ‏.‏

سعيد بن إسماعيل بن سعيد بن منصور أبو عثمان الواعظ الحيري ولد بالري ونشأ بها ثم انتقل إلى نيسابور فسكنها إلى أن توفي بها في ربيع الآخر من هذه السنة سمع الحديث بالري من محمد بن مقاتل وموسى بن نصر وبالعراق من محمد بن إسماعيل الأحمسي وحميد بن الربيع اللخمي وغيرهما ودخل بغداد ويقال‏:‏ أنه كان مستجاب الدعوة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ حدثنا محمد بن نعيم الضبي قال‏:‏ سمعت أمي تقول‏:‏ سمعت مريم امرأة أبي عثمان تقول‏:‏ صادفت من أبي عثمان خلوة فاغتنمتها فقلت‏:‏ يا أبا عثمان أي عملك أرجى عندك فقال‏:‏ يا مريم لما ترعرعت وأنا بالري كانوا يريدونني على التزويج فأمتنع جاءتني امرأة فقالت‏:‏ يا أبا عثمان قد أحببتك حبًا أذهب نومي ورقادي وأنا أسألك بمقلب القلوب وأتوسل به إليك أن تتزوج بي قلت‏:‏ ألك والد قالت‏:‏ نعم فلان الخياط في موضع كذا وكذا فراسلت أباها أن يزوجها مني ففرح بذلك وأحضرت الشهود فتزوجت بها فلما دخلت بها وجدتها عوراء عرجاء مشوهة الخلق فقلت‏:‏ اللهم لك الحمد على ما قدرته لي وكان أهل بيتي يلومونني على ذلك فأزيدها برًا وإكرامًا إلى أن صارت بحيث لا تدعني أخرج من عندها فتركت حضور المجالس إيثارًا لرضاها وحفظًا لقلبها ثم بقيت معها على هذه الحال خمس عشرة سنة وكأني في بعض أوقاتي على الجمر وأنا لا أبدي لها شيئًا من ذلك إلى أن ماتت فما شيء أرجى عندي من حفظي عليها ما كان في قلبها من جهتي ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثنا عبد الكريم بن هوازن قال‏:‏ سمعت أبا عبد الرحمن السلمي يقول‏:‏ سمعت عبد الله بن محمد الشعراني يقول‏:‏ سمعت أبا عثمان يقول‏:‏ منذ أربعين سنة ما أقامني الله في حال فكرهته ولا نقلني إلى غيره فسخطته ‏.‏

وكان أبو عثمان ينشد‏:‏ أسأت ولم أحسن وجئتك هاربًا وأين لعبد من مواليه مهرب يؤمل غفرانًا فإن خاب ظنه فما أحد منه على الأرض أخيب سعيد بن عبد الله بن أبي رجاء حدث عن أبي عمر الدوري وغيره روى عنه ابن مخلد وابن كامل القاضي وأبو بكر الشافعي توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

سمنون بن حمزة الصوفي‏:‏ ويقال‏:‏ سمنون بن عبد الله ويكنى أبا القاسم صحب سريًا وغيره ووسوس فكان يتكلم في المحبة ثم سمى نفسه الكذاب لموضع دعواه في قوله‏:‏ فليس لي في سواك حظ فكيف ما شئت فامتحني فامتحن بحصر البول فصار يدور في المكاتب ويقول للصبيان ادعوا لعمكم المبتلى بلسانه ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت حدثنا عبد العزيز بن علي الوراق حدثنا عي بن عبد الله الهمذاني قال‏:‏ حدثني عبد الكريم بن أحمد قال‏:‏ حدثني أبو جعفر محمد بن عبد الله الفرغاني قال‏:‏ أخبرني أبو أحمد المغازلي قال‏:‏ كان ورد سمنون في كل يوم وليلة خمسمائة ركعة ‏.‏

صافي الحرمي‏:‏ مرض فأشهد على نفسه أنه ليس له عند غلامه قاسم مال ولا عقار ولا وديعة فلما مات حمل غلامه إلى الوزير ابن الفرات من العين مائة ألف دينار وعشرين ألف دينار وسبعمائة منطقة وقال‏:‏ هذا الذي كان له عندي فاعلم المقتدر بذلك فأمر أن ينزل القاسم منزلته

وكان صافي صاحب الدولة كلها وإليه أمر دار الخليفة وتوفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

عبد الله بن محمد بن صالح بن مساور أبو محمد البكري وقيل الباهلي من أهل سمرقند كان ممن عني بطلب الحديث والآثار ورحل في ذلك وجالس الحفاظ وكتب عنهم وحدث في البلاد فروى عنه من أهل بغداد محمد بن مخلد وأبو بكر الشافعي وكان ثقة وتوفي في هذه السنة ‏.‏

عبد السلام بن سهل بن عيسى أبو علي السكري سكن مصر وحدث بها عن يحيى الحمداني وعبيد الله القواريري ‏.‏

روى عنه ابن شنبوذ والطبراني وكان من نبلاء الناس وأهل الصدق ولكنه تغير في آخر أيامه وتوفي في شهر ربيع الآخر من هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أنه ظهرت ثلاثة كواكب مذنبة ‏.‏

ظهر أحدها ليلة الخميس لخمس بقين من رمضان في برج الأسد وظهر الثاني في ليلة الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة في المشرق وظهر الثالث ليلة الأربعاء لعشر بقين من ذي القعدة في برج العقرب وبقيت أيامًا ثم اضمحلت ‏.‏

وغضب الخليفة على علي بن محمد بن الفرات لأربع خلون من ذي الحجة وحبس ووكل بدوره وأخذ كل ما وجد له ولأهله وأصحابه وانتهبت دورهم اقبح نهب وادعى عليه أنه كتب إلى الأعراب أن يكبسوا بغداد واستوزر أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان وكان قد ضمن لأم ولد المعتضد بالله مائة ألف دينار فعملت في توليته ‏.‏

وورد الخبر من فارس بطاعون حدث فيها مات فيه سبعة آلاف انسان ووردت أربع أحمال مال من مصر وقيل‏:‏ إنه وجد هناك كنز قديم وكان معه ضلع انسان طوله أربعة عشر شبرًا في عرض شبر زعموا أنه من قوم عاد وكان مبلغ المال خمسمائة ألف دينار وكان معها هدايا عجيبة فذكر الصولي أنه كان في الهدايا تيس له ضرع يحلب اللبن ‏.‏

ووردت رسل أحمد بن إسماعيل بهدايا منها مذبة مرصعة بفاخر الجوهر وتاج من ذهب مرصعة فيها شمامات مسك وعنبر كله مرصع وعشرة أفراس بسروجها ولأحدها سرج ذهب

ووردت هدايا ابن أبي الساج أربعمائة دابة وثمانون ألف دينار وفرش أرمني لم ير مثله فيه بساط طوله سبعون ذراعًا في عرض ستين ذراعًا عمل في عشر سنين لا قيمة له ‏.‏

وورد الخبر من فارس بطاعون حدث فيها مات فيه سبعة آلاف إنسان ‏.‏

وفي هذه السنة حج بالناس الفضل بعبد الملك وورد ورقاء بن محمد بن ورقاء بن محمد بن ورقاء الشيباني ومعه أسرى من الأعراب كل منهم كان يعني السلطان وأصلح الطريق بأخذهم

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن نصر بن إبراهيم أبو عمرو الحافظ المعروف بالخفاف سمع إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ومحمد بن رافع وأبا كريب وغيرهم وكان يذاكر بمائة ألف حديث وصام دائمًا نيفًا وثلاثين سنة وتصدق بخمسة آلاف درهم توفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

أنبأنا زاهر بن طاهر أنبأنا أبو بكر البيهقي أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله البيع قال‏:‏ سمعت أبا حامد بن محمد المقرئ يقول‏:‏ وقف سائل على أبي عمرو الخفاف فأمر له بدرهمين فقال الرجل‏:‏ الحمد لله فقال لصاحبه‏:‏ اجعلها خمسة فقال الرجل‏:‏ اللهم لك الحمد فقال‏:‏ اجعلها عشرة فلم يزل الرجل يحمد الله ويزيده أبو عمرو إلى أن بلغ مائة درهم فقال‏:‏ جعل الله عليك واقية باقية فقال أبو عمرو‏:‏ والله لو لم يرجع من الحمد إلي غيره لبلغت به عشرة آلاف درهم ‏.‏

البهلول بن إسحاق بن البهلول بن حسان بن سنان أبو محمد التنوخي ‏.‏

ولد سنة أربع ومائتين وسمع اسماعيل بن أبي أويس ومصعبًا الزبيري وسعيد بن منصور وغيرهم روى عنه أبو بكر الشافعي وجماعة آخرهم أبو بكر الإسماعيلي الجرجاني وكان ثقة ضابطًا لما يرويه بليغًا مصقعًا في خطبته ‏.‏

جعفر بن محمد بن الأزهر أبو أحمد البزاز يعرف بالباوردي والطوسي‏:‏ الحسين بن عبد الله بن أحمد أبو علي الخرقي والد عمر صاحب المختصر في الفقه على مذهب أحمد بن حنبل حدث عن جماعة وروى عنه أبو بكر الشافعي وابن الصواف وعبد العزيز بن جعفر وكان خليفة المروذي وتوفي في يوم الفطر من هذه السنة ودفن بباب حرب عند قبر الإمام أحمد بن حنبل شاه بن شجاع أبو الفوارس الكرماني كان من أولاد الملوك وصحب أبا تراب النخشبي وأبا عبيد الله البسري وغيرهما ‏.‏

أخبرنا محمد بن ناصر قال‏:‏ أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي قال‏:‏ قال الفارسي‏:‏ سمعت أبا علي الأنصاري يقول‏:‏ سمعت شاه بن شجاع يقول لأهل الفضل‏:‏ فضل ما لم يروه فإذا رأوه فلا فضل لهم ‏.‏

قال السلمي‏:‏ ورأيت بخط جدي اسماعيل بن نجيد قال شاه بن شجاع‏:‏ من صحبك ووافقك على ما تحب وخالفك فيما تكره فإنما يصحب هواه ‏.‏

قال السلمي‏:‏ مات شاه قبل الثلاثمائة ‏.‏

عباس بن عبد الله بن محمد بن فضال كتب العلم وعني بتصنيفه وتوفي بمصر في ربيع الأول من هذه السنة ‏.‏

عباس بن المهتدي أبو الفضل الصوفي بغدادي دخل مصر وصحب بها أبا سعيد الخراز وكان كثير الأسفار على التوكل وكان من أقران الجنيد ‏.‏

أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن حبيب قال‏:‏ أنبأنا علي بن عبد الله بن أبي صادق أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه حدثنا أبو العباس محمد بن الحسن الخشاب قال‏:‏ حدثني محمد بن عبد الله الفرغاني قال‏:‏ تزوج عباس بن المهتدي امرأة فلما كانت الليلة التي أراد أن يدخل بها وقعت عليه ندامة فدخل عليها وهو كاره فلما أراد أن يدنو منها زجر عنها فامتنع من وطئها وقام وخرج من عندها فلما كان بعد ثلاثة أيام ظهر للمرأة زوج ‏.‏

عياش بن محمد بن عيسى الجوهري‏:‏ حدث عن أيوب بن يحيى المقابري وداود بن رشيد وأحمد بن حنبل روى عنه الطبراني وابن الجعابي والإسماعيلي وكان ثقة توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

غضب عليها المقتدر وأخذ ما عندها من المال وكان لها مال عظيم أعطت منه شخصين مائتي ألف دينار عينًا غير الهدايا فمرضت وتوفيت في ذي القعدة من هذه السنة وقيل‏:‏ بل ركبت في طيارها في آخر شعبان فغرقت تحت الجسر في يوم ريح عاصف وأخرجت بعد يومين ‏.‏

محمد بن إسماعيل أبو عبد الله المغربي وهو أستاذ ابراهيم الخواص حج على قدميه سبعًا وتسعين حجة ‏.‏

أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه قال‏:‏ سمعت أبا بكر الجوزقاني يقول‏:‏ سمعت إبراهيم بن شيبان يقول‏:‏ سمعت أبا عبد الله المغربي يقول‏:‏ ما رأيت ظلمة منذ سنين كثيرة ‏.‏

قال إبراهيم‏:‏ وذلك أنه كان يتقدمنا بالليل المظلم ونحن نتبعه وهو حاف حاسر فكان إذا عثر أحدنا يقول له‏:‏ يمينًا وشمالًا ونحن لا نرى ما بين أيدينا فإذا أصبحنا نظرنا إلى رجله كأنها رجل عروس خرجت من خدرها وكان يقعد لأصحابه ويتكلم عليهم فما رأيته انزعج إلا يومًا واحدًا كنا على الطور وهو قد استند إلى شجرة خرنوب وهو يتكلم علينا فقال في كلامه‏:‏ لا ينال العبد مراده حتى ينفرد فردًا بفرد فانزعج واضطرب فرأيت الصخور قد تدكدكت وبقي في ذلك ساعات فلما أفاق كأنه نشر من قبره ‏.‏

توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ سنة سبع وتسعين وأوصى أن يدفن إلى جانب استاذه علي بن رزين وعاش كل واحد منهما عشرين ومائة سنة فهما على جبل الطور ‏.‏

محمد بن أبي بكر أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب أبو عبد الله نسائي الأصل كان فهما عارفًا وحدث عن نصر بن علي الجهضمي وعمرو بن علي الصيرفي والحسين بن حريث المروزي وغيرهم ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت عن أبي عبد الله محمد بن الحسين الضميري قال‏:‏ قال لي علي بن الحسن الرازي‏:‏ قال لنا أبو عبد الله محمد بن الحسين الزعفراني قال‏:‏ كان لأبي بكر بن أبي خيثمة ابن حافظ استعان به أبو بكر في تصنيف كتاب التاريخ ‏.‏

قال ابن ثابت‏:‏ هو أبو عبد الله هذا قال‏:‏ وقرأت في كتاب أبي الفتح عبيد الله بن أحمد النحوي سمعت القاضي ابن كامل يقول‏:‏ أربعة كنت أحب بقاءهم أبو جعفر الطبري والبربري وأبو عبد الله بن أبي خيثمة والمعمري فما رأيت أفهم منهم ولا احفظ ‏.‏

توفي محمد بن أبي بكر محمد بن أحمد بن كيسان أبو الحسن النحوي أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال‏:‏ أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ كان ابن كيسان أحد المذكورين بالعلم والموصوفين بالفهم وكان يحفظ مذهب البصريين والكوفيين معًا في النحو لأنه أخذ عن المبرد وثعلب وكان أبو بكر بن مجاهد المقرئ يقول‏:‏ أبو الحسن بن كيسان انحى من الشيخين يعني ثعلبًا والمبرد ‏.‏

محمد ببن السري بن سهل أبو بكر القنطري سمع عثمان بن أبي شيبة وغيره وكان ثقة توفي في جمادى الأولى من هذه السنة ‏.‏

محمد بن يحيى أبو سعيد يعرف بحامل كفنه سكن دمشق وحدث بها عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وعقبة بن مكرم العمي وابراهيم بن سعيد الجوهري وسلمة بن شبيب وأحمد بن منيع وغيرهم روى عنه أبو بكر النقاش وغيره ‏.‏

بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وكفن وصلي عليه ودفن فلما كان في الليل جاءه نباش فنبش عنه فلما حل أكفانه ليأخذها استوى قاعدًا فخرج النباش هاربًا منه فقام وحمل كفنه وخرج من القبر وجاء إلى منزله وأهله يبكون فدق الباب عليهم فقالوا‏:‏ من أنت قال‏:‏ أنا فلان فقالوا له‏:‏ يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا فقال‏:‏ يا قوم افتحوا فأنا والله فلان فعرفوا صوته ففتحوا وعاد حزنهم فرحًا وسمي من يومئذ حامل كفنه ‏.‏

ومثل هذا جرى لسعير بن الخمس الكوفي فإنه لما دلي في حفرته اضطرب فحلت عنه أكفانه فقام ورجع إلى منزله وولد له بعد ذلك ابنه مالك بن سعير ‏.‏

توفي محمد بن يحيى في هذه السنة ‏.‏